أين أنت ؟

إن من أهم الفوائد التي يجنيها جنس البشر من وجوده بالقرب من بعضهم، وتعارفهم وتآلفهم، هي التعاون والمساعدة. إذ بها تستحيل المحن إلى منح، ويتعارفون ويتكافؤون. إلا أن هناك من بدل النعمة إلى نقمة وأصر على كشف ما خبا من ضررها القبيح. 


إن التعاون في حد ذاته محمود – إن كان في غير شر – فذاك أدعى لتسهيل الأمور وكسب الخبرات والعلاقات في وقت أسرع. إلا أن طلب المعونة دائماً على دقٍّ الأمور وجلها دون تقديم أي مجهود يذكر هو جذر شجرة طلعها مما لا يحمد عقباه. فمن ذاك أنه قد يفقد الثقة بنفسه، ويعطل إمكانياته وقواه، وهذا بدوره يؤدي إلى الكسل. فما حال من كان يجد من له عمله ولا يكلف نفسه أن يشرك نفسه في عمله حتى ولو باليسير، إلا استصعاب المهام والكسل عنها ومن ثم لا يرى نفسه أهلاً لأي عمل، لأنه لم يقتحم العقبات ولم يواجه الصعوبات.


وقد خلق الإنسان ليكون عوناً للمجتمع لا عبئاً عليه. فإذا استعان الإنسان دائماً زاد المجتمع – في عدده – ولم يزد فيه – بإنجازاته وعمله -, وما هي حتى يَملّهُ من يساعده ويكون حملاً عليه. فيعمل على الخلاص منه بما يستطيع، فإذا فعل لم يبق له معين ولا نصير. ويصبح عضاً على أنمله قائلاً: أين أنا؟؟؟!!! حقاً أين أنا، أنا المتواكل الذي لا ينتظر من الدهر إلا صفعة الغدر فيجد نفسه حائراً فيما يعمل ولم يكسب الخبرات وما كان أعد له من عدا العبرات. 


وليكن المتواكل على علمٍ ويقين أن كسله وشحاذته العون ستجني عليه من سوء الخلق ما به ينبذ بين الخلائق ولا يطاق. فمن تلك الأخلاق مثلا بطر النعم وجحودها، إذ يراها تساق إليه تِباعاً من حيث لا يهتم ولا يعمل من أجلها. ومن ثم يستصغر عمل معينه على الرغم من أنه يحمل همه ضعفين. فيزيد الطين بلة ببطره على مؤازره، وإنشاء نفسه وتربيتها على مد اليد السفلى دون اليد العليا، وتلك لعمري سقطة السقطات وهي التي تهوي به إلى مستنقع الحضيض.


وكفى بالمرء خسارة من هذه الاستعانة أنه لا يجني الخبرات ولا يطورها وأنه لا يختلف كثيراً عن جنس الحيوان. فما هو إلا مثل السائمة تقضي وطرها من شهوتها ولها من يعلفها وينتظر سمنها ليستطيب مضغ لحمها. فحقاً أن تبعة التكاسل عن كسب الخبرات بسبب الاستعانة كطلع شجرة الزقوم، فليت شعري، بخل على نفسه ببعض العمل فبخل على نفسه بكل الخِبَر وآثر أن يجلس كافاً يديه أحط من البهائم. 


على أن للأمر إيجابيات مثل استعانة الطالب بأستاذه في المعامل وخطر التجارب. أو العمل الذي يؤديه أو المولود بدلا منه خوفاً عليه، فذاك لا بأس به. إذ إن عملاً لا يدري عامله خطره وشره ولا نفعه وضره لا يجني عليه خيراً ويستحسن طلب العون من خبير والتعلم منه بدلاً من التعويل عليه فحسب.


ولحل مثل ذاك فإن في كلمة واحدة دواء من داء طال شرحه في كتب ومجلدات، وكلمة السر الساحرة هي:

 أين أنت؟؟؟!!!

فلتكن قرطاً في أذنك ترن رَنِينَهَا في جوِّ السماء. أين أنت؟! حينها ستذكر دورك في الحياة فلا ترضى لنفسك الهوان.


وختاماً فإني أدعو كل المسؤولين إشراك من يساعدونهم في عملهم لكي لا يفقدوا ثقتهم بأنفسهم ولا يكونوا عبئاً على المجتمع ولا يُنَمَّى فيهم سوء الخلق وفقدان الخبرات. ولتكن كلمة في آذانهم ليجنوا خيرها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أين أنت ؟

إن من أهم الفوائد التي يجنيها جنس البشر من وجوده بالقرب من بعضهم، وتعارفهم وتآلفهم، هي التعاون والمساعدة. إذ بها تستحيل المحن إلى منح، ويتعا...